الطريق السريع إلى "داعش"

**نجم اللبان** الخميس أبريل 09, 2015 10:53 pm

الطريق السريع إلى "داعش"
بدلا من أن يدخل شيخ الأزهر فى حوار جدى مع الباحث فى علوم الدين والفقه “إسلام بحيري” الذى يقدم برنامجا تليفزيونيا محترما وعميقا فى العلوم الدينية، يمكن الاتفاق والاختلاف مع استنتاجاته، حرض عليه هيئة الاستثمار المسئولة عن منح التراخيص للقنوات الفضائية مطالبا بوقف برنامجه مع “إسلام بحيري” على قناة “القاهرة والناس”، واتهم بيان للمركز الإعلامى للأزهر الباحث بالتحريض على إثارة الفتنة، وتعريض فكر شباب الأمة للانحراف، وهو اتهام وجهه الشيخ محمد الغزالى قبل أكثر من عشرين عاما للدكتور “فرج فودة” وكان أن قام “سماك” لا يقرأ ولا يكتب باغتياله دفاعا عما سماه الشيخ آنذاك – ثوابت الأمة – وهو التعبير الذى نلاحظ أنه يتكرر هذه الأيام كثيرا، كما سبق أن اتكأ عليه بعض شيوخ الظلام – وبعضهم قضاة للأسف الشديد – للحكم بارتداد الباحث فى علوم القرآن نصر حامد أبوزيد وطلقوا زوجته منه، فخرج نصر من منفى لمنفى ومات فى أحدهما، ونجا “نجيب محفوظ” من طعنة من شاب لم يقرأ “أولاد حارتنا” ولكنه سمع كلام شيوخ عنها.

وكأن مؤسسات الأزهر تسخر من دعوة الرئيس الجادة والملحة والمتكررة لتجديد الفكر الدينى وغسل وجه الإسلام من القذى الذى يلحقه به المتشددون والمتطرفون وقراء النصوص الحرفية والذين تمدهم بعض مؤسسات الأزهر وشيوخه بالأفكار والحجج.

وسواء كان رفض الأزهر للحوار مع المجتهدين في علوم الدين تعاليا أو إقرارا بحقيقة اجتهاداتهم وجديتها وترفض الاعتراف بها فإن النتيجة واحدة، وهى أن المؤسسة الدينية الرئيسية للإسلام السنى تتشبث بأفكارها القديمة، وترفض الاجتهاد، وتفرض الوصاية على عقول المسلمين شاءوا أم أبوا، ورغم تكرار الشيخ “أحمد الطيب” أن الأزهر ليس سلطة دينية فإن ممارساته المتكررة ضد حرية الفكر والتعبير والاجتهاد تجعل منه هذه السلطة الدينية شأن تلك التى عرفتها أوروبا فى عصورها الوسطى حين لاحقت الكنيسة المفكرين والمجددين.

ويستفيد الأزهر من ممارساته كسلطة دينية قمعية من الحصاد المر المتراكم لعقود الاستبداد والفساد تواكبا مع سياسات الليبرالية الجديدة التى فاقمت اليأس والإفقار الذى اختار الرئيس “السيسي” وصفه “بالعوز” وهى كلمة موجعة.

ويستفيد الأزهر أيما فائدة من ممارساته للوصاية على المسلمين من التوجه الحكومى الذى يطرح شعار الحوار المجتمعى ويمارس الانفراد والإقصاء والاستبداد ضمنيا ليقدم الوجه المدنى للسلطة الدينية فى العميق، ويخدم كل منهما الآخر.

ولاتزال الثورة المصرية رغم موجاتها العارمة المتتالية والمجيدة عاجزة عن الاختراق الكامل للبنى الاجتماعية والثقافية القديمة رغم أنها أحدثت ثغرات في جسدها سوف تكون – فى المستقبل القريب – بابا مفتوحا على المستقبل لتحقيق أهداف الثورة.

ويسهم مثقفون محسوبون على حركة التنوير – ولحسابات انتهازية خالصة – فى التشويش على عملية الاختراق هذه حين يلتمسون الأعذار لممارسات الأزهر، ويلومون نقاده، وهم يفعلون ذلك بدعوى المواءمة قائلين إن المرحلة لا تحتمل، ويبررون بذلك العدوان على حرية الفكر والتعبير والاعتقاد متناسين أن الحرية كانت ركيزة أساسية لأهداف الموجات الأخيرة من الثورة التى لم ترفع شعارا دينيا واحدا.

ولا يحق للذين يصادرون على الحوار وعلى حرية الفكر والتعبير والاعتقاد تحت لافتات دينية أو سياسية أن يشكوا من التحاق شباب متعلم – وحتى ميسور – بصفوف “داعش” والمتطرفين من كل صنف، وسوف تعاود مثل هذه الجماعات التوالد والنمو طالما لم ننجز – وبجرأة وحزم – ثورتنا الدينية، ونرد الاعتبار لقيم التحرر والاستنارة والعدل، ونزيح الأتربة عن التوجهات التقدمية فى الإسلام.